كينيا تُلتحق بركب داعمي الحكم الذاتي: تحوّل استراتيجي يعزز الموقف المغربي في الصحراء
تحوّل نوعي في الموقف الكيني
الرباط | برق المغرب 24
في خطوة دبلوماسية لافتة تعكس تحولات متسارعة في مواقف الدول الإفريقية من قضية الصحراء المغربية، أعلنت كينيا دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة المغربية، باعتبارها الحل الواقعي الوحيد للنزاع الإقليمي. وجاء هذا الإعلان بالتزامن مع افتتاح سفارة كينيا في العاصمة الرباط، مما يعكس عمق التحول في العلاقات الثنائية، وخروج نيروبي من مظلة التأثير (الجزائري-الجنوب إفريقي).
تحوّل نوعي في الموقف الكيني
تاريخياً، كانت كينيا من أبرز الدول الداعمة لجبهة “البوليساريو”، بفضل انخراطها ضمن المحور الإفريقي المؤيد للانفصال بقيادة الجزائر وجنوب إفريقيا. غير أن المؤشرات بدأت تتغير تدريجياً منذ 2022، في ظل انفتاح دبلوماسي مغربي على شرق القارة. ويبدو أن الرباط استطاعت في نهاية المطاف استثمار قوة علاقاتها الاقتصادية والدينية والسياسية في القارة لصالح توسيع رقعة داعمي الحكم الذاتي.
وأبرز عبد العالي بنلياس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، أن كينيا – كغيرها من دول المحور القديم – بدأت تتحرر من “عقدة المحور الثلاثي الجزائر-بريتوريا-أبوجا”، مشيراً إلى أن الرباط نجحت في تحييد العوامل التي كانت تزعزع العلاقة بين البلدين. كما رأى أن انخراط كينيا في المبادرات المغربية الكبرى مثل المشروع الأطلسي وأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب لعب دوراً مهماً في إعادة صياغة أولوياتها.
تراجع تأثير الجزائر وجنوب إفريقيا
يرى مراقبون أن هذا التحول الدبلوماسي يمثل ضربة موجعة للمحور المعادي لمغربية الصحراء، والذي يتزعمه النظام الجزائري. ويقول المحلل السياسي محمد شقير إن كينيا، باعتبارها دولة وازنة في شرق إفريقيا وعضواً نشطاً في الاتحاد الإفريقي، كانت تشكل ثقلاً مضاداً لمواقف المغرب داخل المنظمة القارية. ومع إعلانها دعم مبادرة الحكم الذاتي، فإن ميزان التأثير داخل الاتحاد الإفريقي يتجه بقوة لصالح المغرب، ويحدّ من قدرة الجزائر على التأثير.
ويضيف شقير، أن غياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي لسنوات مكّن الجزائر من تعبئة مواقف داعمة للبوليساريو. إلا أن عودة المغرب القوية منذ 2017، واستراتيجيته جنوب-جنوب، مكنتاه من استرجاع زمام المبادرة، مشيراً إلى أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في عهد ترامب وتجديد الإدارة الحالية له، لعبا دوراً مؤثراً في المراجعة الكينية لموقفها.
تدشين السفارة.. عنوان لشراكة متكاملة
افتتاح السفارة الكينية بالرباط لا يعكس فقط تحوّلاً دبلوماسياً، بل يؤسس لعلاقات استراتيجية شاملة. ويتوقع أن يشمل التعاون بين البلدين مجالات متعددة، منها الاقتصاد والتجارة والثقافة والتنسيق في المحافل الدولية. ويؤكد المراقبون أن هذا الحدث يؤذن ببداية مرحلة جديدة من الشراكة الإفريقية – الإفريقية على أساس المصالح المشتركة والواقعية السياسية.
كما يؤشر إلى استمرار تراجع عدد الدول التي تعترف بما تسمي ”الجمهورية الصحراوية”، مقابل اتساع دائرة الدول التي تؤيد الحل السياسي الواقعي المتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، انسجاماً مع قرارات مجلس الأمن الدولي.
خريطة جديدة للتحالفات الإفريقية
التحرك الكيني يعزز دينامية أوسع في القارة، ويؤكد أن الزمن السياسي يتحرك في صالح الرباط. وتبدو معالم خريطة التحالفات الإفريقية في طور إعادة التشكّل، على أسس جديدة تضع المصالح التنموية والأمنية والاستراتيجية فوق الاعتبارات الإيديولوجية. ومع اتساع هذه الدائرة، يجد المحور الجزائري-الجنوب إفريقي نفسه محاصراً بتغيرات الواقع الجيوسياسي الإفريقي.
هذا التحول يمثل أيضاً رسالة ضمنية إلى باقي الدول التي ما زالت تراوح مكانها، مفادها أن زمن الانحياز الشعاراتي قد ولى، وأن الواقعية السياسية باتت هي الطريق نحو بناء إفريقيا متماسكة ومزدهرة.