شدد جلالة الملك محمد السادس، في رسالة موجهة إلى المشاركين في دورة 2025 لملتقى إبراهيم حول الحكامة المنعقد بمراكش، على أن توفير الموارد المالية المناسبة يشكل ركيزة أساسية لأي مشروع تنموي ناجح في إفريقيا، مبرزاً أن القارة لن تتمكن من تنفيذ إصلاحاتها الجوهرية ومخططاتها التنموية بالشكل المنشود ما لم يتوفر تمويل كافٍ يتلاءم مع خصوصياتها.
وفي إطار رؤيته الشمولية لمسارات التنمية، توقف جلالته عند أربعة مرتكزات رئيسية يجب أن تتأسس عليها جهود النهوض بإفريقيا، من ضمنها تغيير النموذج التقليدي لتمويل التنمية، وخلق بيئة مؤسساتية محفزة، وتعزيز المبادلات البينية، فضلاً عن تثمين الموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة.
وأكد جلالته أن تعبئة الموارد الذاتية تتطلب إصلاحات هيكلية لدعم الاستقرار الماكرو-اقتصادي، مع اعتماد آليات مبتكرة للتمويل، واستثمار التحويلات المالية القادمة من الجاليات الإفريقية، مع التحذير من الاستمرار في الاعتماد على التمويلات الخارجية المثقلة بالديون.
كما اعتبر جلالته أن بناء بيئة مؤسساتية واقتصادية سليمة لن يتحقق إلا بتسريع إصلاحات الحكامة، ومحاربة الفساد، وتعزيز الشفافية، وحماية مناخ الاستثمار، من أجل خلق مناخ ملائم لريادة الأعمال وفرص الشغل.
وفي الشق المتعلق بتقوية المبادلات التجارية بين الدول الإفريقية، لفت جلالة الملك إلى ضعف مساهمة إفريقيا في التجارة العالمية، داعياً إلى جعل منطقة التبادل الحر القارية رافعة حقيقية لتسريع النمو، وتطوير الصناعة، وتقوية جاذبية الاقتصاد الإفريقي للاستثمارات.
وفي ما يرتبط بالثروات الطبيعية، نبّه جلالته إلى أن القارة لا يمكنها أن تظل مصدراً خاماً لمواردها، في الوقت الذي تمتلك فيه احتياطيات ضخمة من المواد الأولية والمعادن الاستراتيجية. ودعا إلى استثمار هذه الثروات في خلق سلاسل إنتاجية محلية تضيف القيمة وتساهم في تمويل التنمية المستقلة.
وبنظر جلالة الملك، فإن سد فجوة التمويل في إفريقيا يتطلب حلاً تضامنياً ومتكاملاً، على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. كما شدد على ضرورة إدراج هذا الملف ضمن أولويات الأجندة الدولية، خاصة مع اقتراب الآجال المرتبطة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030.
وطالب جلالته بخفض نسب الفائدة المفروضة على الدول الإفريقية، وتيسير الولوج إلى القروض الميسرة، وتقوية دور المؤسسات المالية الإقليمية، مع إعادة النظر في تمثيلية القارة داخل المنظومة المالية العالمية بما يراعي تنوعها، إلى جانب تخفيف تكاليف التحويلات المالية من الجاليات.
وفي هذا السياق، توقف جلالته عند المؤتمر الدولي المقبل حول تمويل التنمية المقرر عقده في إشبيلية، معبراً عن قناعته بأن النهوض بإفريقيا يتطلب جهداً جماعياً يتقاطع فيه البعد الإقليمي مع روح التعاون الدولي.
وختم جلالته بالتأكيد على أن إصلاح النظام المالي الدولي يمر عبر إشراك فاعل لإفريقيا في صياغة قواعده، بما يعزز حضورها في المحافل الدولية، ويمكنها من مواجهة التحديات الاقتصادية بفعالية، وفق مقاربة متعددة الأطراف ترتكز على الإنصاف والتمثيلية العادلة.